فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما كان ما ذكر في هذه السورة من الحكم والدلائل والقصص واعظًا شافيًا حكيمًا، ومرشدًا هاديًا عليمًا، قال واصلًا بما تقدم إشارة إلى أنه نتيجته: {إن في هذا} أي الذي ذكرناه هنا من الأدلة على قدرتنا على قيام الساعة وغيرها من الممكنات، وعلى أن من ادعى علينا أمرًا فأيدناه عليه وجعلنا العاقبة له فيه فهو صادق محق، وخصمه كاذب مبطل {لبلاغًا} لأمرًا عظيمًا كافيًا في البلوغ إلى معرفة الحق فيما ذكرناه من قيام الساعة والوحدانية وجميع ما تحصل به البعثة {لقوم} أي لأناس أقوياء على ما يقصدونه {عابدين} أي معترفين بالعبودية لربهم الذي خلقهم اعترافًا تطابقه الأفعال بغاية الجد والنشاط.
ولما كان هذا مشيرًا إلى رشادهم، فكان التقدير: فما أرسلناك إلا لإسعادهم والكفاية لهم في البلاغ إلى جنات النعيم، عطف عليه ما يفهم سبب التأخير لإنجاز ما يستعجله غير العابدين من العذاب فقال: {وما أرسلناك} أي بعظمتنا العامة على حالة من الأحوال {إلا} على حال كونك {رحمة للعالمين} كلهم، أهل السماوات وأهل الأرض من الجن والأنس وغيرهم، طائعهم بالثواب، وعاصيهم بتأخير العقاب، الذي كنا نستأصل به الأمم، فنحن نمهلهم ونترفق بهم، إظهارًا لشرفك وإعلاء لقدرك، حتى نبين أنهم مع كثرتهم وقوتهم وشوكتهم وشدة تمالئهم عليك لا يصلون إلى ما يريدون منك، ثم نرد كثيرًا منهم إلى دينك، ونجعلهم من أكابر أنصارك وأعاظم أعوانك، بعد طول ارتكابهم الضلال، وارتباكهم في أشراك المحال، وإيضاعهم في الجدال والمحال، فيلعم قطعًا أنه لا ناصر لك إلا الله الذي يعلم القول في السماء والأرض، ومن أعظم ما يظهر فيه هذا الشرف في عموم الرحمة وقت الشفاعة العظمى يوم يجمع الأولون والآخرون، وتقوم الملائكة صفوفًا والثقلان وسطهم، ويموج بعضهم في بعض من شدة ما هم فيه، يطلبون من يشفع لهم في أن يحاسبوا ليستريحوا من ذلك الكرب أما إلى جنة أو نار، فيقصدون أكابر الأنبياء نبيًّا نبيًّا عليهم الصلاة والسلام، والتحية والإكرام، فيحيل بعضهم على بعض، وكل منهم يقول: لست لها، حتى يأتوه صلى الله عليه وسلم فيقول: أنا لها، ويقوم ومعه لواء الحمد فيشفعه الله وهو المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون وقد سبقت أكثر الحديث بذلك في سورة غافر عند {ولا شفيع يطاع} [الآية: 18].
ولما كان البلاغ الذي رتب هذا لأجله هو التوحيد الملزوم لتمام القدرة، أتبع الإشارة إلى تأخيرهم الإيمان إلى تحذيرهم فقال: {قل} أي لكل من يمكنك له القول: {إنما يوحى إلى} أي ممن لا موحي بالخير سواه وهو الله الذي خصني بهذا الكتاب المعجز {أنما إلهكم}.
ولما كان المراد إثبات الوحدانية، لإله مجمع على إلهيته منه ومنهم، كرر ذكر الإله فقال: {إله واحد} لا شريك له، لم يوح إلى في أمر الإله إلا الوحداينة، وما إلهكم إلا واحد لمن يوح إلى فيما تدعون من الشركة غير ذلك، فالأول من قصر الصفة على الموصوف، أي الحكم على الشيء، أي الموحي به إلى مقصور على الوحدانية لا يتعداها إلى الشركة، والثاني من قصر الموصوف على الصفة، أي الإله مقصور على الوحدة لا يتجاوزها إلى التعدد، والمخاطب بهما من يعتقد الشركة، فهو قصر قلب.
ولما انضم إلى ما مضى من الأدلة العقلية في أمر الوحدانية هذا الدليل السمعي، وكان ذلك موجبًا لأن يخشى إيجاز ما توعدهم به فيخلصوا العبادة لله، أشار إلى ذلك مرهبًا ومرغبًا بقوله: {فهل أنتم مسلمون} أي مذعنون له ملقون إليه مقاليدكم متخلون عن جميع ما تدعونه من دونه لتسلموا من عذابه وتفوزوا بثوابه، ففي الآية أن هذه الوحدانية يصح أن يكون طريقها السمع. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

أما قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا في الزبور مِن بَعْدِ الذكر} ففيه مسائل:
المسألة الأولى:
قرأ حمزة بضم الزاي والباقون بفتحها يعني الزبور كالحلوب والركوب يقال: زبرت الكتاب أي كتبته والمزبور بضم الزاي جمع زبر كقشر وقشور، ومعنى القراءتين واحد لأن الزبور هو الكتاب.
المسألة الثانية:
في الزبور والذكر وجوه: أحدها: وهو قول سعيد بن جبير ومجاهد والكلبي ومقاتل وابن زيد الزبور هو الكتب المنزلة والذكر الكتاب الذي هو أم الكتاب في السماء، لأن فيها كتابة كل ما سيكون اعتبارًا للملائكة وكتب الأنبياء عليهم السلام من ذلك الكتاب تنسخ.
وثانيها: الزبور هو القرآن والذكر هو التوراة وهو قول قتادة والشعبي.
وثالثها: الزبور زبور داود عليه السلام، والذكر هو الذي يروي عنه عليه السلام، قال: كان الله تعالى ولم يكن معه شيء، ثم خلق الذكر.
وعندي فيه وجه رابع: وهو أن المراد بالذكر العلم أي كتبنا ذلك في الزبور بعد أن كنا عالمين علمًا لا يجوز السهو والنسيان علينا، فإن من كتب شيئًا والتزمه ولَكِنه يجوز السهو عليه فإنه لا يعتمد عليه، أما من لم يجز عليه السهو والخلف فإذا التزم شيئًا كان ذلك الشيء واجب الوقوع.
أما قوله تعالى: {أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصالحون} ففيه وجوه: أحدها: الأرض أرض الجنة والعباد الصالحون هم المؤمنون العاملون بطاعة الله تعالى فالمعنى أن الله تعالى كتب في كتب الأنبياء عليهم السلام وفي اللوح المحفوظ أنه سيورث الجنة من كان صالحًا من عباده وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة والسدي وأبي العالية وهؤلاء أكدوا هذا القول بأمور: أما أولًا: فقوله تعالى: {وَأَوْرَثَنَا الأرض نَتَبَوَّأُ مِنَ الجنة حَيْثُ نشاء فَنِعْمَ أَجْرُ العاملين} [الزمر: 74]، وأما ثانيًا: فلأنها الأرض التي يختص بها الصالحون لأنها لهم خلقت، وغيرهم إذا حصل معهم في الجنة فعلى وجه التبع، فأما أرض الدنيا فلأنها للصالح وغير الصالح.
وأما ثالثًا: فلأن هذه الأرض مذكورة عقيب الإعادة وبعد الإعادة الأرض التي هذا وصفها لا تكون إلا الجنة.
وأما رابعًا: فقد روى في الخبر أنها أرض الجنة فإنها بيضاء نقية.
وثانيها: أن المراد من الأرض أرض الدنيا فإنه سبحانه وتعالى سيورثها المؤمنين في الدنيا وهو قول الكلبي وابن عباس في بعض الروايات ودليل هذا القول قوله سبحانه: {وَعَدَ الله الذين ءَامَنُواْ} إلى قوله: {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ في الأرض} [النور: 55] وقوله تعالى: {قَالَ موسى لِقَوْمِهِ استعينوا بالله واصبروا إِنَّ الأرض للَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ} [الأعراف: 128].
وثالثها: هي الأرض المقدسة يرثها الصالحون، ودليله قوله تعالى؛ {وَأَوْرَثْنَا القوم الذين كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مشارق الأرض ومغاربها التي بَارَكْنَا فِيهَا} [الأعراف: 137] ثم بالآخرة يورثها أمة محمد صلى الله عليه وسلم عند نزول عيسى ابن مريم عليه السلام.
أما قوله تعالى: {إِنَّ فِي هذا لبلاغا لّقَوْمٍ عابدين} فقوله هذا إشارة إلى المذكور في هذه السورة من الأخبار والوعد والوعيد والمواعظ البالغة والبلاغ الكفاية وما تبلغ به البغية وقيل في العابدين إنهم العالمون وقيل بل العاملون والأولى أنهم الجامعون بين الأمرين، لأن العلم كالشجر والعمل كالثمر، والشجر بدون الثمر غير مفيد، والثمر بدون الشجر غير كائن.
أما قوله تعالى: {وما أرسلناك إِلاَّ رَحْمَةً للعالمين} ففيه مسائل:
المسألة الأولى:
أنه عليه السلام كان رحمة في الدين وفي الدنيا، أما في الدين فلأنه عليه السلام بعث والناس في جاهلية وضلالة، وأهل الكتابين كانوا في حيرة من أمر دينهم لطول مكثهم وانقطاع تواترهم ووقوع الاختلاف في كتبهم فبعث الله تعالى محمدًا صلى الله عليه وسلم حين لم يكن لطالب الحق سبيل إلى الفوز والثواب، فدعاهم إلى الحق وبين لهم سبيل الثواب، وشرع لهم الأحكام وميز الحلال من الحرام، ثم إنما ينتفع بهذه الرحمة من كانت همته طلب الحق فلا يركن إلى التقليد ولا إلى العناد والإستكبار وكان التوفيق قرينًا له قال الله تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ هُدًى وَشِفَاء} إلى قوله: {وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} [فصلت: 44] وأما في الدنيا فلأنهم تخلصوا بسببه من كثير من الذل والقتال والحروب ونصروا ببركة دينه.
فإن قيل: كيف كان رحمة وقد جاء بالسيف واستباحة الأموال؟ قلنا: الجواب من وجوه: أحدها: إنما جاء بالسيف لمن استكبر وعاند ولم يتفكر ولم يتدبر، ومن أوصاف الله الرحمن الرحيم، ثم هو منتقم من العصاة.
وقال: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السماء مَاء مباركا} [ق: 9] ثم قد يكون سببًا للفساد.
وثانيها: أن كل نبي قبل نبينا كان إذا كذبه قومه أهلك الله المكذبين بالخسف والمسخ والغرق وأنه تعالى أخر عذاب من كذب رسولنا إلى الموت أو إلى القيامة قال تعالى: {وما كَانَ الله لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ}.
[الأنفال: 33] لا يقال: أليس أنه تعالى قال: {قاتلوهم يُعَذّبْهُمُ الله بِأَيْدِيكُمْ} [التوبة: 14] وقال تعالى: {لّيُعَذّبَ الله المنافقين والمنافقات} [الأحزاب: 73] لأنا نقول تخصيص العام لا يقدح فيه.
وثالثها: أنه عليه السلام كان في نهاية حسن الخلق قال تعالى: {وَإِنَّكَ لعلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] وقال أبو هريرة رضي الله عنه: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أدع على المشركين، قال: «إنما بعثت رحمة ولم أبعث عذابًا» وقال في رواية حذيفة: «إنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر، فأيما رجل سببته أو لعنته فاجعلها اللهم عليه صلاة يوم القيامة» ورابعها: قال عبد الرحمن بن زيد: {إِلاَّ رَحْمَةً للعالمين} [الأنبياء: 107] يعني المؤمنين خاصة، قال الإمام أبو القاسم الأنصاري والقولان يرجعان إلى معنى واحد، لما بينا أنه كان رحمة للكل لو تدبروا في آيات الله وآيات رسوله، فأما من أعرض واستكبر، فإنما وقع في المحنة من قبل نفسه كما قال: {وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى}.
المسألة الثانية:
قالت المعتزلة لو كان الله تعالى أراد من الكافرين الكفر ولم يرد منهم القبول من الرسول، بل ما أراد منهم إلا الرد عليه وخلق ذلك فيهم ولم يخلقهم إلا كذلك كما يقوله أهل السنة، لوجب أن يكون إرساله نقمة وعذابًا عليهم لا رحمة وذلك على خلاف هذا النص، لا يقال: إن رسالته عليه السلام رحمة للكفار من حيث لم يعجل عذابهم في الدنيا، كما عجل عذاب سائر الأمم، لأنا نقول: إن كونه رحمة للجميع على حد واحد وما ذكرتموه للكفار فهو حاصل للمؤمنين أيضًا، فإذا يجب أن يكون رحمة للكافرين من الوجه الذي صار رحمة للمؤمنين.
وأيضًا فإن الذي ذكروه من نعم الدنيا كانت حاصلة للكفار قبل بعثته صلى الله عليه وسلم كحصولها بعده، بل كانت نعمهم في الدنيا قبل بعثته أعظم لأن بعد بعثته نزل بهم الغم والخوف منه، ثم أمر بالجهاد الذي فني أكثرهم فيه فلا يجوز أن يكون هذا هو المراد.
والجواب: أن نقول لما علم الله سبحانه وتعالى أن أبا لهب لا يؤمن ألبتة وأخبر عنه أنه لا يؤمن كان أمره إياه بالإيمان أمرًا يقلب علمه جهلًا وخبره الصدق كذبًا وذلك محال، فكان قد أمره بالمحال.
وإن كانت البعثة مع هذا القول رحمة، فلم لا يجوز أن يقال البعثة رحمة مع أنه خلق الكفر في الكافر؟ ولأن قدرة الكافر إن لم تصلح إلا للكفر فقط فالسؤال عليهم لازم، وإن كانت صالحة للضدين توقف للترجيح على مرجح من قبل الله تعالى، قطعًا للتسلسل.
وحينئذ يعود الإلزام ثم نقول: لم لا يجوز أن يكون رحمة للكافر بمعنى تأخير عذاب الاستئصال عنه؟ قوله: أولًا لما كان رحمة للجميع على حد واحد وجب أن يكون رحمة للكفار من الوجه الذي كان رحمة للمؤمنين، قلنا: ليس في الآية أنه عليه السلام رحمة للكل باعتبار واحد أو باعتبارين مختلفين، فدعواك بكون الوجه واحدًا تحكم.
قوله نعم الدنيا كانت حاصلة للكفار من قبل قلنا: نعم ولَكِنه عليه السلام لكونه رحمة للمؤمنين لما بعث حصل الخوف للكفار من نزول العذاب، فلما اندفع ذلك عنهم بسبب حضوره كان ذلك رحمة في حق الكفار.
المسألة الثالثة:
تمسكوا بهذه الآية في أنه أفضل من الملائكة، قالوا: لأن الملائكة من العالمين.
فوجب بحكم هذه الآية أن يكون عليه السلام رحمة للملائكة، فوجب أن يكون أفضل منهم.
والجواب: أنه معارض بقوله تعالى في حق الملائكة: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ} [غافر: 7] وذلك رحمة منهم في حق المؤمنين، والرسول عليه السلام داخل في المؤمنين، وكذا قوله تعالى: {إِنَّ الله وملائكته يُصَلُّونَ عَلَى النبي} [الأحزاب: 56].
{قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إلى أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (108)}.
اعلم أنه تعالى لما أورد على الكفار الحجج في أن لا إله سواه من الوجوه التي تقدم ذكرها، وبين أنه أرسل رسوله رحمة للعالمين، أتبع ذلك بما يكون إعذارًا وإنذارًا في مجاهدتهم والإقدام عليهم، فقال: {قُلْ إِنَّمَا يوحى إِلَىَّ} وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
قال صاحب الكشاف: إنما يقصر الحكم على شيء أو يقصر الشيء على حكم، كقولك إنما زيد قائم أو إنما يقوم زيد، وقد اجتمع المثالان في هذه الآية.
لأن: {إِنَّمَا يوحى إِلَىَّ} مع فاعله بمنزلة إنما يقوم زيد: {أَنَّمَا إلهكم إله واحد} بمنزلة إنما زيد قائم، وفائدة اجتماعهما الدلالة على أن الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقصور على إثبات وحدانية الله تعالى وفي قوله؛ {فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ} أن الوحي الوارد على هذا السنن يوجب أن تخلصوا التوحيد له وأن تتخلصوا من نسبة الأنداد، وفيه أنه يجوز إثبات التوحيد بالسمع.
فإن قيل: لو دلت إنما على الحصر لزم أن يقال: إنه لم يوح إلى الرسول شيء إلا التوحيد ومعلوم أن ذلك فاسد، قلنا: المقصود منه المبالغة. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الزبور الكتب التي أنزلها الله تعالى على أنبيائه، والذكر أُمّ الكتاب الذي عنده في السماء، وهذا قول مجاهد.
والثاني: أن الزبور من الكتب التي أنزلها الله تعالى على مَنْ بعد موسى من أنبيائه، وهذا قول الشعبي.
{أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} فيها ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها أرض الجنة يرثها أهل الطاعة، وهذا قول سعيد بن جبير، وابن زيد.
والثاني: أنها الأرض المقدسة يرثها بنو إسرائيل، وهذا قول الكلبي.
والثالث: أنها أرض الدنيا، والذي يرثها أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا قول ابن عباس.
قوله عز وجل: {إِنَّ فِي هذا لَبَلاَغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ} أما قوله: {إِنَّ فِي هذا} ففيه قولان:
أحدهما: يعني في القرآن.
والثاني: في هذه السورة.
وفي قوله: {لَبَلاَغًا لَّقُوْمٍ عَابِدِينَ} وجهان:
أحدهما: أنه بلاغ إليهم يَكُفُّهُم عن المعصية ويبعثهم على الطاعة.
الثاني: أنه بلاغ لهم يبلغهم إلى رضوان الله وجزيل ثوابه.
وفي قوله: {عَابِدِينَ} وجهان:
أحدهما: مطيعين.
والثاني: عالمين.
قوله عز وجل: {وما أرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} فيما أريد بهذه الرحمة وجهان:
أحدهما: الهداية إلى طاعة الله واستحقاق ثوابه.
الثاني: أنه ما رفع عنهم من عذاب الاستئصال.
وفي قوله: {لِلْعَالَمِينَ} وجهان:
أحدهما: من آمن منهم، فيكون على الخصوص في المؤمنين إذا قيل إن الرحمة الهداية.
الثاني: الجميع، فيكون على العموم في المؤمنين والكافرين إذا قيل إن الرحمة ما رفع عنهم من عذاب الاستئصال. اهـ.